المحور الثاني: الشخص بوصفه قيمة - مجزوءة الوضع البشري | مفهوم الشخص
الشخص بوصفه قيمة
الاشكالية
بماذا وكيف تتحدد قيمة الشخص؟
وهل هي قيمة ذاتية يصنعها الشخص أم موضوعية تجسد إكراها خارجيا؟
موقف إيمانويل موليي: الشخص ذات وليس أداة
بري أنصار المذهب الشخصاني أن الشخص ليس موضوعا مثل باقي الموضوعات الخارجية وإنما هو كينونة نفسية متفردة تتميز بالوعي والإرادة، إذ يستحيل تعريف الشخص أو النفاذ إلى عمق ذاته، بقول مونبي: «إن الشخص ليس موضوعا، بل هو بالذات ما لا يمكن في أي إنسان أن يعامل بوصفه موضوعا»، أي أن كل شيء من أشياء العالم الخارجي يمكن تعريفه والإحاطة به إلا أن يكون شخصا، لأن الشخص يتمتع عن المعرفة مهما حصلنا إزاءه من معلومات حول مزاجه وهيئته وأعراضه، إنه يحتفظ بذاتيته دون إدراك الغير، وهذا الأخير لا يستطيع معرفة «الأنا» كما هو، ولا أن يعبر عنه في كليته ولا أن يتفهمه في حقيقته، أو بعبارة موجزة: قد نعرف عن الشخص لكننا لا نستطيع معرفة الشخص، ذلك أن ثروة الشخص لا نهائية. فلا شيء مما يعبر عنها يستنفدها ولا شيء مما يشرطها بستبعدها...إن الشخص نشاط حركة شخصنة مناهضة لكل التحديدات.
إيمانويل كانط: الشخص غاية في ذاته (فطرية)
تنقسم الموجودات في الكون إلى قسمين: قسم الموجودات العاقلة، وقسم الموجودات غير العاقلة، فالموجودات العاقلة وحدها تنفرد بقيمة مطلقة وتستحق أن تُسمى أشخاصا لأنها تمتلك العقل، بينما باقي الموجودات فليست لها سوى قيمة استعمالية نسبية مادامت تفتقر إلى العقل، وتسمى، أشياء، الأولى تنفرد بوضع اعتباري متعالي ومقدس لا يقبل الاستغلال أو الاستبدال من أجل مصلحة ما كيفما كانت، والثانية توضع بطبيعتها وسيلة من أجل خدمة الإنسان الذي هو غاية في ذاته يستحق التقدير والاحترام لكرامته الآدمية وليس لامتلاكه الأشياء، يقول كانط : «تصرف دائما بطريقة تعامل بمقتضاها الإنسانية في شخصك، كما في شخص غيرك، باعتبارها غاية وليس أبدا باعتبارها وسيلة». إن الشخص غاية في ذاته منذ ولادته إلى وفاته، وليس موضوعا أو وسيلة تخضع للاستعمال ثم تنتهي صلاحيتها لذلك فقيمة الإنسان لا تقدر بثمن ولا تقبل التوظيف من أجل مصلحة إرادة أخرى ، بل يجب عليه أن يعي الخاصية السامية لتكوينه الأخلاقي فيحترم الإنسانية في شخصه ويفرض احترامها على الجميع،
فريدريك هيجل: قيمة الشخص في أدائه للواجب (مكتسبة)
على خلاف الموقف الأخلاقي لإيمانويل كانط يرى هيجل أن قيمة الشخص لا تولد معه ولا يصنعها بإرادته، وإنما يكتسبها فيما بعد من خلال اعتقاله لروح الجماعة التي ينتمي لها مستمدة من أدائه للواجب القانوني والأخلاقي الذي تحدده تشريعات المجتمع، فالتصرفات الصالحة هي التي تكون موافقة للقانون المجتمعي، والتصرفات الشائنة هي المنافية له. لذلك على الشخص أن ينفتح على الجماعة وأن يمتثل للواجب الذي تلزمه به، إذ المجتمع يتكون من مجموعة مراتب شبيهة بنظام الطبقات الاجتماعية، وبحسب كل مرتبة يتحدد للفرد الواجب الذي ينبغي القيام به، يقول هيجل: «المرتبة التي يشغلها فرد ما تحدد واجباته»، فتتحدد قيمة الفرد الأخلاقية بحسب أدائه لواجبه من خلال المرتبة التي ينظمها المجتمع، فهي إذن قيمة مكتسبة ونسبية ومتغيرة.