الشخص بين الضرورة و الحرية | مجزوءة الوضع البشري | مفهوم الشخص
الشخص بين الضرورة و الحرية
اشكال المحور
أين تكمن قيمة الشخص؟ هل في كون الشخص غاية أم مجرد وسيلة؟ وما هي طبيعة الاحترام الموجه للشخص: هل هو احترام مطلق وغير مشروط أم أنه احترام نسبي ومشروط بمحددات خارجية؟باروخ اسبينوزا: لا حرية للشخص
انسجاما مع التصور الموضوعي الذي يعتبر الشخص مجرد انعكاس ونتيجة لإكراهات وضعوط موضوعية متنوعة: بيولوجية، اجتماعية، وراثية، ثقافية، اقتصادية وسياسية، يرى اسبينوزا أن الشخص ليس دانا حرة، بل هو نتاج ضرورات وحتميات خارجية، حيث شبه دعون حرية الإنسان بدعون حرية حجرة متدحرجة تليجة دفعة من خارج، أي بسبب قوة خارجية لحركة وليس اختيارا من ذاتها. وفعل الحركة لا يصح أن لنسبه للحجرة وإنما ينبغي أن تنسبه للسبب الخارجي، وبناء على افتراض وعي الحجرة بحركتها وينالها للجهد کي تستمر في هذه الحركة تظن وتتوهم أنها حرة وأنها تتحرك من تلقاء ذاتها، كذلك الذين يتبجحون بامتلاك الحرية لمجرد أنهم واعون بشهواتهم فہم - حسب اسپینوزا - يجهلون الأسباب الخارجية التي تعدتهم حتميا وإلا هل يقبل أن تعتبر الطفل الذي يبكي طلبا للحليب حرا في اشتهائه أو الجبان الذي يهرب من المواجهة حرا في قراره؟ ولماذا غالبا ما تعرف الأحسن وتفترك الأسرا؟ إن الحرية مجرد وهم وادعاء العلوم الانسانية: تذويب الإنسان في حتميات تتجاوز وعيه وتلفي حريته بانفصالها عن الفلسفة خلال النصف الثاني من القرن 19 توجهت العلوم الإنسانية إلى دراسة الإنسان فجعلت منه موضوعا للمعرفة بعدما كان ذاتا عارفة، وفضعت ضعشه لما اكتشفت أنه مجرد صورة منعكسة عن المحددات الموضوعية المحيطة به، فهو عند علماء السوسيولوجيا (جي روشيه جزء لا يتجزأ من ثقافة المجتمع الذي ينتمي إليه، أي أنه نتيجة حتمية لعمليات التنشئة الاجتماعية التي تلقته كيفية الإحساس والتفكير والتصرف وتدمجه في مؤسسات المجتمع لتتشكل هويته النفسية والاجتماعية والمزاجية عبر آليات التكثف والتقمص والاكتساب والقولية الذهنية. حتى يصير الأنا قطعة من "النحن»، وهو عند علماء الاقتصاد (على الأقل في التصور الماركسي ) جزء من البنية المادية للمجتمع تصنعه الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وإذا فكر أو عار فإنما يفكر ويعبر انطلاقا من واقعه الذي يعيش فيه، وهكذا باقي فروع العلوم الإنسانية (اللغة، علم النفس البيولوجيا، التاريخ ...) حتى أضعى الإنسان شبعاً بلا معنى، وآلة تشحن وتستعمل، هاتمعت هيبته وكأنه كان مرسوما من الرمال (حسب تعبير ميشيل فوكو)، وظهرت أصوات تعبر عن هذا الذوبان والاختفاء بمثل عبارة «موت الإنسان، التي تلخص فقداته لتلك الهالة من التحرر التي كان يدعيها ويزعمها لما قيل عنه « الإنسان مقياس كل شيء قبل أن تنتزع منه ويفقد سمعته.
موقف جون بول سارتر الشخص بين الضرورة والحرية: الإنسان محكوم عليه بالحرية
على خلاف المواقف السابقة يؤكد سارتر أن الإنسان كائن يصنع ذاته بذاته، يعيش بذاته ولذاته، ت حرة ومتقطعة على إمكانيات لا نهائية، لأن هويته لا تتعدد بشكل مسبق وإنما بالمشروع الذي يختاره هو لنفسه ويعيشه بكيفية ذاتية في المستقبل، حيث يوجد أولا ثم يكون إنسانا فيما بعد بواسطة الأنشطة التي يمارسها مادام وجوده سابق لماهيته، فيختار مثلا بمحض إرادته الانتساب إلى أحد الأحزاب أو تأليف كتاب أو الزواج، إنه الكائن الوحيد الذي يتميز بالتعالي على وضعيته الأصلية وهو مسئول مسؤولية كاملة عما هو كائن، إذ بواسطة الفعل والحركة يستطيع أن يختار ماهيته بنفسه فيصنع الرجل الذي يريده، وبالتالي مشروعه الذي يريد، يقول سارتر: «الإنسان مشروع لا يوجد في سماء المشروعات مشروع مثله.. لهذا انتقد المنهج الذي يعتزل الإنسان في بعد واحد مطلق، لأنه يعقل أبعاد حقيقية أخرى تحدد ماهيته، ويدافع سارتر عن حرية الإنسان لكونها تشكل جوهر وجوده وأساس الغابات من هذا الوجود، وبناء على حريته يتحمل مسؤولية أفعاله، يقول سارتر «إن البطل هو الذي يصنع من نفسه بطلاء والجبان هو الذي يصنع من نفسه جياناة، وهذا لا يعني غياب الضرورات الموضوعية كلية وإنما يعني أن الإنسان يحتفظ بالقدرة على التجاوز لوضعه وصناعة الذات وإثبات الحرية مهما كانت الظروف والإكراهات، أو بعبارته المختزلة لموقفه: «الإنسان محكوم عليه بالحرية »