مجزوءة الوضع البشري مفهوم الغير جميع المفاهيم و المواقف

 مجزوءة الوضع البشري | مفهوم الغير | المحور الاول وجود الغير |المحور الثاني: معرفة الغير | المحور الثالث: العلاقة مع الغير + مواقف الفلاسفة في مجزوءة الوضع البشري 



تقديم عام 

يحيل مفهوم الغير على الوجود البشري في البعد العلائقي التفاعلي فكون الشخص كائن له مقومات و مكونات خاصة لا يجعل منه شخصا معزولا عن الاخرين ، بل يمكن اعتباره موجوداً لكي يعيش مع الغير ويدخل في علاقات اجتماعية وجدانية تؤكد على طابع الضرورة ومحاولة التعرف على الغير كشبيه و مختلف ، اما على المستوى الدلالي فيشير مفهوم الغير في المعنى المتداول الى الأخر المختلف جنسا و عرقا و شكلا و أخلاقا و هكذا فهو لا يشير إلى فرد محدد فالغير في المعنى اللغوي تغايرة الاشياء ، إختلفت و تغيرت و الاخر بمعنى غير كقول رجل آخر ، ثوب آخر اذ يشترك لفظ الأخر و الغير في المعنى مما يجعل المفهومين يدلان على الاشخاص و الاشياء معا في نفس الوقت ، اما المعنى الفلسفي فيتم التمييز بين الغير و الاخر فلفظ الاخر ، قد يشمل الانسان او أي شيئ اخر في حين أن الغير سيشير الى الإنسان كذات واعية و لها استقلالها الخاص المغاير لذات 

فماذا يشكل الغير بالنسبة لوجود الذات ؟ 

هل وجود الغير ضروري لوجود الانا ؟

ام انه يشكل تهديدا له ؟

هل معرفة الغير ممكنة ام ممتنعة ؟

المحور الاول وجود الغير 

الاشكال : هل وجود الغير ضروري لكي أحقق وعيي بذاتي؟ وكيف يمكنني ادراك وجود هذا الغير؟ وكيف يمكن ان يعترف بي من طرف هذا الغير ؟

مواقف الفلاسفة لمحور وجود الغير 

رينيه ديكارت: لا يحظى الغير بأي اعتراف من طرف فلسفة ديكارت، إنه يهمله ولا يبالي به ولا يرى في وجوده أية ضرورة.

انطلاقا من فكرة الكوجيطو «أنا أفكر إذن أنا موجود» يرى ديكارت أن الوجود مسألة ذاتية وأن الشيء الوحيد الذي يحصل اليقين بوجوده هو الذات المفكرة، التي تشك وتتأمل وتفكر، أي أن الأنا الأفكر تشكل حقيقة بديهية يقينية لا يطالها الشك والتغير، ولا تحتاج إلى وجود خارجي يمثل وساطة إثبات ذاتها، فهي وحدها تمارس فعل التفكير في ذاتها وفي العالم، وكل ما عدا ذلك فهو يدخل في خانة الشك. إن ديكارت لا يهمه وجود الغير ولا عدم وجوده من أجل إثبات وجوده الذاتي، لأن تجربة «الأنا وحدية» تؤكد استغناء الذات المفكرة بنفسها عن الغير، يقول ديكارت: «أطل من النافذة فلا أرى سوى قبعات ومعاطف ولا أرى أشخاصاً». بناء على ما سبق لا يحظى الغير بأي اعتراف من طرف فلسفة ديكارت، إنه يهمله ولا يبالي به ولا يرى في وجوده أية ضرورة.

جان بول سارتر: وجود الغير هو بمثابة تهديد للذات من جهة لان نظرته الينا تحرمنا من الحرية وتجعلنا مجرد شيء او عبد. وضروري لها من جهة أخرى لأنه يمكن الذات من ان تعي نفسها. (ضرورة وجود الغير)

إن الغير حسب سارتر حاضر باستمرار باعتباره ذاتا مماثلة للأنا، فهو «الأنا الذي ليس أنا»، يشبهني ويختلف عني بشكل متأن، يتحدد وجودي مع وجوده، مثلما أن معرفتي بذاتي تتوقف على وجوده. إنّ الغير هو الوسيط الذي لا غنى لي عنه إلا من جهة المستحيل. فلا أُوجد إلا بشرط وجوده، ولولاه لما كنت أنا أنا، فهو الذي يمنح وجودي المعنى، غير أنه بعيد عني ومستقل بذاته، يحتفظ كل منا بأناه، إنه نظام مركب من التمثلات الذهنية والنفسية التي تجعله كموضوع يصنعه الأنا ولا يعرفه، إنني أراه فقط من منظاري الخاص، أي انطلاقا من تجربتي الشخصية، وبنفس النظرة أيضا هو يحددني كموضوع بين موضوعات كثيرة انطلاقا من تجربته الخاصة، والحقيقة هي أنه لا أنا ولا هو باستطاعتنا أن ننفذ إلى عمق ذوات بعضنا لأن بيننا هـوة سحيقة تمنع تحقق أية علاقة حقيقية بيننا، فهناك عدم محض يفصل بيني وبين الغير، لا يستمد أصوله من ذاتي أنا ولا من ذات الغير  بمعنى أن هناك غياب كلي موضوعي لأية معرفة ممكنة. ومثال ذلك تجربة الخجل باعتباره «خجل من الذات عندما تنبدى أمام الغير».

فريدريك هيغل: وعي الذات لنفسها يكون من خلال اعتراف الغير بها, وهذه العملية مزدوجة يقوم بها الغير كما تقوم بها الذات. هكذا يكون وجود الغير بالنسبة الى الذات وجودا ضروريا . (الغير ضروري للاعتراف بي)

إذا كان جوهر الحياة البشرية بالنسبة لفريدريك هيغل هو الصراع فإن منطق الصراع يفرض المواجهة بين طرفين متنازعين يسعى كل منهما إلى الظفر بالانتصار، ولما كان من غير الممكن أن ينتصرا معا فإن كلا منهما يبدي استعداده الكامل للتضحية بنفسه وبكل ما يملكه حتى ولو كلفه ذلك الموت ليتغلب على خصمه في المعركة وينال شرف السيادة، بيد أن منطق المواجهة يفرض استسلام أحدهما أمام الآخر، فيصير المغلوب عبدا معترفا للغير الغالب بسيادته. لهذا يعتبر هيجل أن وجود الغير ضروري لإخراج الأنا من ذاته وتحقيق وعيه الذي يتوقف على اعتراف الغير له بسيادته، وبالتالي تجاوز حالة الانغلاق على الذات بالانفتاح على الآخرين، وإنتاج وإعادة إنتاج العلاقة الجدلية: سيادة-عبودية، فلا يوجد الشخص شخصاً وإنما يوجد إما سيداً أو عبداً.


المحور الثاني: معرفة الغير

الاشكال : هل معرفة الغير ممكنة؟ وإذا كانت معرفته ممكنة فكيف تتحقق؟ وإن لم تكن ممكنة فهل المانع من حصولها ذاتي أم موضوعي؟

مواقف الفلاسفة لمحور معرفة الغير

نيكولا مالبرانش: صعوبات معرفة الغير

واضح من أطروحة جان بول سارتر أنه بالرغم من تأكيد وجود الغير فإن معرفته في ذاته مستحيلة وكل محاولة في اتجاه التعرف عليه هي بمثابة خطوة نحو تشييئه وتحويله إلى موضوع، والمانع من هذه المعرفة ليس هو أنا ولا هو الغير وإنما هو معطى موضوعي غير قابل للتحدد أو للتجاوز. ونفس التصور يؤكده مالبرانش من خلال حديثه عن الموانع والصعوبات التي تحُول دون معرفة الغير، والتي يمكن تلخيصها في انفعالات ومشاعر الذات العارفة، إن كل ما تعرفه عن الآخرين مرتبط بتمثلاتنا الشخصية التي تنبع من وضعيتنا النفسية والاجتماعية والثقافية، يقول مالبرانش: «إن أقصى ما يمكننا الوصول إليه هو محاولة إطلاق فرضيات»، أي تخمينات وظنون وشكوك مشبعة بالذاتية ، مرتبطة بذواتنا وبانفعالاتنا، لكننا لا نتصل بذات الغير كما هو في حقيقته، وهذا يعني أنها يمكن أن تعرف عن الغير دون أن تعرفه كما هو، «فالمعرفة التي لنا عن الناس الآخرين تكون كثيرة التعرض للخطأ، إذا نحن اقتصرنا في حكمنا فقط على عواطفنا، وعليه فالعواطف لا توفر لنا المعرفة بذات الغير ولا يمكن لمعرفة ظنية وجزئية أن تكون شمولية وتكاملية، إذ من المجازفة التعميم والإسقاط...

ماكس شيلر: معرفة الغير ممكنة

في كتابه «طبيعة التعاطف وشكله» ينتقد شيلر التصورات التشييئية للغير، التي تنفي إمكانية معرفة الغير وتنظر إليه من خلال ثنائية ذات موضوع، معتبرا أن معرفة الغير لا تتطلب النظر إليه كموضوع منفصل إلى جزأين متقابلين بقدر ما تفرض النظر إليه كوحدة متجانسة، حيث ظاهره جزء من باطنه ومظهره الخارجي ينبئ عن حياته النفسية الداخلية في السجام وتوافق. يقول شيلر: «إننا ندرك فرج الغير من ابتسامته كما ندرك همومه وألمه من دموته وخجله من احمرار وجهه ودعاءه من يديه الملتصقتين...»، إن إدراك الغير لا يفيد تجزيئه بقدر ما يفيد النظر إليه ككل (مجموع totalite) لا يقبل القسمة إلى شظايا مفككة لا تجمعها أية رابطة.

 هذا ما يؤكده أيضا موريس ميرلوبونتي باعتباره معرفة الغير ممكنة بشرط التواصل معه بالجسد واللغة والانفتاح عليه والتعاطف معه، بل حتى الامتناع عن التواصل هو نمط من التواصل، ولا يتوقف التواصل إلا إذا قبع كل واحد من الأغيار في جحر ذاتيته وادعى كفاية الذات بذاتها المغلقة أو نظر إلى الغير نظرة لا إنسانية وإلى أفعاله كأفعال حشرة..

جيل دولوز: الغير يكمل مجال إدراكي

ينطلق دولوز من نقد تصور سارتر الذي يقف موقفا عليها من معرفة الغير والتواصل معه، لأن مسألة الغير لا تتعلق بالذات ولا بالموضوع ولا بالشخص وإنما بتعدد الدوات وتعدد المشكلات. إن الغير لا يقبل أن تتعامل معه كذات مغلقة يجب معرفتها معرفة كلية تستغرق جميع تفاصيلها وانما يجب أن نتعامل معه كعالم ممكن يتحدد عبر ثلاثة شروط: عالم حسي ممكن يعبر عنه هذا الغير.

 هيئة جسمية ظاهرة.

لغة كلامية تبرز تحققه في الواقع.


المحور الثالث: العلاقة مع الغير

مواقف الفلاسفة لمحور العلاقة مع الغير

أرسطو: الصداقة إحساس قطري ورابطة الممالك

يعتبر أرسطو أن الصداقة إحساس فطري في قلب الإنسان لا يستغني عنها أحد من الناس مهما كانت وضعيته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (الغني والفقير، الشيخ والصبي، الحبيب والمريض...) إذ يعجز الفرد لوحده أن يكفي ذاته بذاته، لذلك فهو مضطر إلى صداقة الآخرين، والتي هي ثلاثة أنواع:

صداقة المتعة: وترتكز على متعة محددة، فتبقى ما بقيت المتعة وتزول إذا زالت. وهي صداقة ناقصة.

صداقة المنفعة: وتقوم على أساس المصلحة المادية، توجد بوجودها وتنعدم بعدمها. وهي أيضا صداقة ناقصة ومؤقتة.

صداقة الفضيلة: ليست الغاية منها تحقيق المتعة أو المنفعة وإنما هي صداقة خالصة: صداقة من أجل الصداقة، حتى ولو تحققت من خلالها المتعة أو المنفعة فلم تكن هي المقصودة منها، وإنما حدثت عرضا. تلك أجمل وأشرف أنواع الصداقات التي تقع بين البشر، وهي التي اعتبرها أرسطو «رابطة الممالك» أي اللحمة التي تربط بين أفراد الدولة الواحدة، وبها يتضامن الناس ويتعايشون، وحاجتهم لها أكثر من حاجتهم إلى العدل، وإن كان لا قيام للدول إلا بالعدل، فإن «أفضل أنواع العمل بلا جدال هو العدل المستمد من العطف والمحبة.... 

أوغست كونت: الاعتراف بالغير والحياة من أجله

 في نفس الاتجاء الإيجابي من الغير يرى أوغست كونت أن «كل شيء فينا ينتمي للإنسانية، وكل شيء يأتينا منها»، فهي التي قدمت لنا خيرا كثيرا منذ طفولتنا لا نملك أن نرد إليها ولو جزءا صغيرا مقابل ما تلقيناه منها، ولا نستطيع أن ننكره عليها، إذ ما نحن فيه من خير ونعيم كان سببه هو الغير الذي ضحى من أجلنا ووفر لنا الرفاهية والرخاء والثروة، عبر فاعلين مختلفين (علماء، مفکرین ، مخترعين، مكتشفين، عباقرة...) نعرف منهم ونجهل، لذلك علينا أن نعترف أولا بهذا الجميل وأن نتخلى ثانيا عن أنانيتنا الهمجية (الحياة من أجل الذات) التي تستفيد من فضل الآخرين وخدماتهم غير المحدودة لكنها تتنكر لهم، وذلك لتنجز ما ينفع الغير وخاصة الأجيال القادمة (صداقة عابرة للأجيال)، أي علينا الانخراط في الحياة من أجل الغير، أو ما يسميه أوغست كونت :: «الغيرية التي هي وحدها قادرة على أن تزودنا بأعظم زخم للحياة...وتمنحنا الوسيلة الوحيدة لتطوير كل الوجود البشري بحرية».

جان بول سارتر: الغير جحيم وصراع

ينظر سارتر إلى الغير نظرة سلب ونفي، والعلاقة بين الأغيار هي علاقة تشييئية ما دام كلا منهما يتعامل مع الآخر فقط كجسم أو كموضوع أو كشي،، لا تربطه به أية صلة، فهو ذات تزاحمني في وجودي وتقلص حريتي وتفقدني تلقائيني، ولا أشعر معه بالاطمئنان والحرية، فبمجرد نظرته إلي أحس بالحرج والضيق والخجل، وكذلك يشعر هو اتجاهي عندما أنظر إليه (نتبادل نظرة تشييئية). بيني وبينه عدم محض، هوة سحيقة، ظلام غير محدود، مسافة لا أستطيع أنا ولا هو تجاوزها، إنها تعطي موضوعي خارج عن إرادتنا وقدراتنا فهو عالم مخيف يشبه الجحيم، يقول سارتر: «أنا، والجحيم هم الآخرون»، مثال ذلك النظرة» التي تشل حركة الطفل وتعطل عفويته وثوقفه عن اللعب، وهكذا حتى وإن كان وجوده لا يغيب عني ما دمت لا أعرف ذاتي إلا من خلاله فإني لا أستطيع النفاذ إليه ومعرفته والاتحاد أو الاستئناس به، إنه عالم مغاير لعالمي .


مفاهيم مجزوءة الوضع البشري

الشخص: يطلق على الفرد في بعده المادي من حيث هو مظهر وجسم، وفي بعده المعنوي من حيث هو ذات واعية.

الأنا: يدل اللفظ على حقيقة الإنسان الثابتة لكل الحالات النفسية والفكرية، كما يدل على الجانب الواعي في شخصية الإنسان .

الذات : هي العالم الداخلي للإنسان من حيث هو أفكار ومشاعر وأحاسيس , في مقابل الموضوع.

الهوية :هي الخاصية التي يكون الشيء بموجبها هو هو مطابقا لذاته، كما تجعله متميزا عن غيره في نفس الوقت.

الذاكرة القدرة على إحياء حالة شعورية مضت وانقضت مع العلم والتحقق أنها جزء من حياتنا الماضية .

الماهية : الخصائص التابثة المميزة لشيء عن غيره, و جوهر الوجود الثابت الذي يقابل التغيرات السطحية والمؤقتة .

القيمة :هي خاصية تتميز بها فكرة أو شيء أو فعل، مما تجعلنا نسعى إليه ونطلبه، سواء لذاته أو لغاية مترتبة عنه .

الضرورة :هي العلاقة الحتمية بين المقدمات والنتائج، أو بين الأسباب والنتائج لفهم الظواهر، سواء الطبيعية أو الإنسانية .

الحتمية : مذهب يرى أن جميع حوادث العالم و ظواهر الطبيعة، و خاصة أفعال الإنسان، مرتبطة بعضها ببعض ارتباطا محكما, و مقيدة بشروط توجب حدوثها اضطرارا .

الغير: هو أنا آخر يشبهني في كونه ذات واعية، وفي نفس الوقت يختلف عني .

الوجود: يطلق على الكون بظواهره الطبيعية، وعناصره المادية أو المعنوية، ووجود الشيء هو انبثاقه في هذا العالم .

الوعي: مجموع العمليات الشعورية التي تمكن الذات من إدراك مباشر لذاتها ولما تقوم به ولما يحيط بها .

الإدراك الحسي: هو المعرفة المباشرة للأشياء بواسطة الحواس .


المقالة التالية المقالة السابقة
لا توجد تعليقات
اضـف تعليق
comment url